جمود المشهد السياسي يثير الريبة الوجوديّة لأسس الدّولة اللبنانيّة. وهذه مسألة سبق لقائد الجيش أن طرحها. إضافة إلى ذلك لا يمكن إغفال مدى خطورة الورقة الأمنيّة التي نجح محور إيران بتفجير صاعقها على مستويين مختلفَين، ومتباعدين لكنّهما مرتبطان من حيث وحدة الهدف. المستوى الأوّل يكمن بإشعال مخيّم عين الحلوة على خلفيّة تثبيته ساحة للصراع بين فريق إيران المدعوم من منظمة حزب الله داخل مخيّم عين الحلوة، والفريق الذي يمثّل الغطاء الشرعي للسلطة الفلسطينيّة. أمّا المستوى الثاني الذي لا يقلّ خطورة عن الأوّل فهو ملفّ النّزوح السوري المبرمج والمنظّم.
أمام هذه المشهديّة القاحلة سياسيًّا، أتت زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لو دريان في محاولة لكسر هذا الجمود. والملفت اجتهاد محور الممانعة لتصوير هذه الزيارة لكأنّها استكمالاً لما طرحه دولة الرئيس برّي. لكأنّ الديبلوماسيّة الفرنسيّة تتحرّك على إيقاع الممانعة فقط! في ذلك سخرية واستخفاف بعقول النّاس. فعلى ما بدا واضحًا من هذه الزيارة حتّى الساعة أنّ لو دريان لم يبدِ أيّ موقف من الحوار المزعوم، فهو لم يحمل معه أيّ مبادرات جديدة. جلّ ما قام به هو الاستماع إلى إجابات مَن اطّلع مِنَ السياسيّيبن على مضمون رسالته. وعلى ما بات مؤكّدًا أنّه لم يدخل في لعبة الأسماء، ماذا وإلا لكان أفصح عن ذلك وليد جنبلاط بعد لقائه معه، حيث أكّد البيك أنّه لن يدخل في لعبة الأسماء.
كما بدا لافتًا لقاؤه قائد الجيش في اليرزة. هذه الزيارة التي تحمل أبعادًا رئاسيّة، لأنّ لو دريان يستمع إلى وجهة نظر القائد هذه المرّة كون اسمه من أبرز الأسماء المرجّحة لنيل الدّعم الأوروبي بشكل عام، والفرنسي بشكل خاص. وهذا ما يؤشّر إلى أنّ الموفد الفرنسي يسير في خارطة طريق الخماسيّة. ممّا يعني أنّ البيان المرتقب في الخامس والعشرين من الجاري سيحمل دلالات واضحة في الملفّ الرئاسي. ويبدو أنّ لو دريان في هذا الوارد، ووفق معلومات من مصادر خاصّة لموقعنا سنكون بعد البيان المرتقب في الأسبوع الأخير من أيلول أمام موقف فرنسي جديد لا يشبه المواقف السابقة كلّها.
فيما عزت المصادر ذلك إلى بحث إدارة ماكرون عن نجاح ما في سياستها الخارجيّة بعد الفشل الذي مُنِيَت به في القارّة السوداء مؤخّرًا. لعلّ ذلك يرفع من حظوظ ماكرون السياسيّة. وفي هذا السياق أيضًا، يندرج السعي الأميركي نفسه في شمال شرق سوريا لأنّ الرئيس الأميركي المُستَنزَفُ أوكرانيًّا، يبحث هو أيضًا عن انتصارات في الساحة الخارجيّة ليرفع أسهمه داخليًّا.
أمام هذه المشهديّة يزور لودريان معراب. ووفق المصادر القوّاتيّة لجسور لمس لودريان المزيد من التمسّك من قبل المعارضة اللبنانيّة بما صدر عن الخماسيّة في ما يتعلّق بالملفّ الرئاسي. ولقد بدا واضحًا تقدير الموفد الفرنسي لجعجع على هذه الصلابة والقدرة والالتزام الوطني. حيث بات الفرنسي مقتنعًا أكثر بصوابيّة الرأي الذي يمثّله جعجع، وأكثر قناعةً بخطورة المشروع الايراني في لبنان على المشروع الحضاري الذي تمثّله فرنسا في الشرق، انطلاقًا من الكيانيّة اللبنانيّة منذ أكثر من قرن من الزّمن.
ويقارب جعجع المسمّى المطروح “حوار” انطلاقًا من تمسّك فريق الممانعة بهذا الحوار من دون الانتخاب. على قاعدة إلزاميّة الحوار. مقابل تمسّك الفريق المعارض بالانتخاب قبل أيّ موضوع آخر. فلودريان طرح أمام جعجع ضرورة التفكير بمسرح أو بمخرج جديد لإخراج أزمة الرئاسة من عنق الزجاجة، بينما جعجع من خلال مواقفه المبدئيّة لا يعتبر أنّ المعارضة أو القوّات بوجه خاص معنيّة بالبحث عن مخرج جديد بناء على ما اقترحه الموفد الفرنسي.
لقد لمس لو دريان مرّة جديدة صلابة موقف جعجع من حيث تمسّكه بتطبيق الدّستور من دون الالتفاف عليه، وخلق أعراف قد تؤدّي إلى الاطاحة بالدّولة ككلّ. فلا المعارضة ولا القوات اللبنانيّة تشبه فريق إيران. ونهجها ليس التعطيل المستمرّ الذي تتّبعه سلطة إيران في لبنان منذ سيطرتها على الحكم وحتّى اللحظة الرئاسيّة هذه.
ويبدو جعجع مرتاحًا لثبات المعارضة اللبنانية في موقفها من حيث تطبيق الدّستور اللبناني كما ينصّ عليه في موضوع انتخاب رئيس للجمهوريّة.
فعلى ما يبدو أنّ الموفد الفرنسي بعد زيارة معراب مدرك مدى عمق المأزق اللبناني بين فريقين: فريق متمسّك بالحوار كمعبر للإنتخاب، وفريق متمسّك بالدّستور الذي ينصّ على الانتخاب وليس على الحوار. والبحث في كيفية كسر هذا الستاتيكو، واضح جدًّا، لا يكون إلا بتطبيق الدّستور فقط لا غير.
فعلى ما يبدو أنّ الموفد الفرنسي بعد زيارة معراب مدرك مدى عمق المأزق اللبناني بين فريقين: فريق متمسّك بالحوار كمعبر للإنتخاب، وفريق متمسّك بالدّستور الذي ينصّ على الانتخاب وليس على الحوار. والبحث في كيفية كسر هذا الستاتيكو، واضح جدًّا، لا يكون إلا بتطبيق الدّستور فقط لا غير.
يبدو جعجع مطمئنًّا بعد هذا اللقاء لأنّ الفرنسي أقفل ملفّ المبادرة الأولى وهو يستعدّ عمليًّا لإطلاق مبادرة جديدة تحت سقف الخماسيّة. وذلك عبر البحث عن مرشّح ثالث يتمتّع بالصفات التي وضعتها الخماسيّة من حيث الأبعاد الثلاثة: السيادي والاصلاحي والانقاذي. يبقى أنّ الترقّب سيّد الموقف، ولا سيّما أنّ فريق الممانعة لا زال يملك أوراق الضّغط الأمنيّة. فيما التعويل لإجهاض هذه المحاولات كلّها يبقى على عاتق مؤسّسة الجيش اللبناني وقيادته الحكيمة.
مرحلة أقلّ ما يطبعها هو التفاؤل الحذر، لأنّ التعامل مع فريق لا يألو أيّ جهد في تنفيذ أيّ عمليّة اغتيال، حتّى لو جلس مع خصمه على طاولة الحوار نفسه. وما اغتيال دولة الرئيس الحريري إلا المثال الأنصع على ذلك. من هنا، الواضح في المرحلة المقبلة أنّ المعارضة اللبنانيّة بصلابة موقفها قد نجحت بإجهاض هذه المحاولات الممجوجة. فهل تعمل إيران على طرح مرشّح ثالث جديد عملاً منها بالالتفاف على المبادرة الفرنسيّة الجديدة التي ستعلن عبر بيان الخماسيّة المرتقب؟
د. ميشال الشماعي
المزيد من القصص
باسيل في العشاء السنوي ل “التيار الوطني
النائب نديم الجميّل في معراب
النائب أشرف ريفي