ممّا لا شكّ فيه أنّ الوجود الفلسطيني في لبنان كان حاجة إنسانيّة بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني بعد النكبة التي تعرّض لها في العام ١٩٤٨. لكن تحوّل هذا الوجود في لبنان إلى مصدر تهديد وجودي، تمّ لجمه بمقاومة لبنانيّة أصيلة كبّدت الشعب اللبناني آلاف الضحايا والشهداء والدمار. لكن هل من احتمال لأن يتكرّر هذا الحدث مع الوجود السوري في لبنان؟ أو بالحري، لماذا يتكرّر بشكلٍ مستمرّ مع الشعب الفلسطيني؟
خطورة الاشكالات الأمنيّة التي تتكرّر في المخيّمات الفلسطينيّة لا تكمن فيها بحدّ ذاتها، على قدر ما تكمن بتحوّلها إلى أنموذج يُحتَذى به من قبل أفرقاء غير الفلسطينيّين. فبنهاية المطاف، هذه المقاومة التي خاضها هذا الشعب ضدّ الاسرائيليّين من لبنان في زمن فتح لاند، تحوّلت أنموذجًا احتذت به منظّمة حزب الله في مراحلها الأولى. واليوم خطورة هذه الظاهرة في أن تتحوّل إلى أنموذج للوجود السوري في لبنان.
قد يرحل قسم كبير من النازحين السوريين إمّا إلى بلادهم وإمّا إلى غير بلدان. لكن قد يبقى قسمُ منهم في لبنان تحت مسميات النّزوح الأمني. وإن لم تقم الدّولة اللبنانيّة بواجباتها السياديّة تجاه اللاجئين الفلسطينيّين المتواجدين في مخيّماتهم قد تتحوّل هذه المسألة إلى ظاهرة تتجدّد مع الوجود السوري. ومن يعلم الأيادي التي تتحرّك بين هذين الوجودين وتحرّكهما وفاقًا لأجندتها الإيديولوجيّة الإقليميّة.
والأخطر من حالة عين الحلوة أن يتمّ نمذجتها مع باقي التواجدات التي تحمل السلاح المتفلّت. هذا السلاح الذي يتمّ الاساءة به إلى سيادة الدّولة، ويتمّ مبادلة حسن ضيافة الدولة اللبنانيّة بالانقضاض على سيادتها متى سنحت الفرصة لذلك. والتّاريخ المعاصر يشهد لما نقول. وكي لا يتكرّر الماضي ذاته مع النّاس ذاتهم أو مع غيرهم نوجز المطلوب، اليوم اليوم وليس غدًا، بالآتي:
١- تنظيم الوجود الفلسطيني على قاعدة احترام حقّ العودة.
٢- مطالبة جامعة الدّول العربيّة والأمم المتّحدة بتحمّل مسؤوليّاتهما من هذه القضيّة، وذلك ليس عبر تقديم مساعدات ماديّة وحسب، بل انطلاقًا من المبدأ الديمغرافي النسبي اللبناني.
٢- تأمين فرض عمل وإقامات لمن يرغب طوعًا منهم بالرّحيل من لبنان في البلدان العربيّة وفي أي بلد آخر. ومَن يرغب منهم البقاء على الأراضي اللبنانيّة عليه أن يحترم قانون الدّولة اللبنانيّة.
٤- تسليم السلاح الموجود مع هذه الجماعات وحلّ تنظيماتها العسكريّة بالكامل.
٤- دخول الجيش اللبناني والقوى الأمنيّة اللبنانيّة كلّها إلى كلّ شبر من الأراضي اللبنانيّة، جنوبًا وشمالاً وشرقًا وغربًا وعاصمةً.
٦- فرض نظام ضرائبي خاص بالذين يرغبون البقاء في لبنان لقاء الخدمات التي توفّرها لهم الدّولة اللبنانيّة.
٧- تحويل أيّ مساعدات تأتي من المنظمات الدّوليّة بشكل مباشر إللاجئين إلى الدّولة اللبنانيّة ولها وحدها الحقّ بالتصرّف بهذه المساعدات، إن كانت عينيّة أو مادّيّة أو غير ذلك.
على أن تنسحب هذه الشروط أيضًا على أيّ شخص يرغب البقاء بصفة لاجئ في لبنان؛ مهما كانت جنسيّته. ولا يحاولنَّ أحد الرهان على فرض أمر واقع علينا. فعلى حدّ ما قال فخامة الرئيس الشهيد الشيخ بشير الجميّل: “تلّ الزعتر أيضًا كانت أمراً واقعاً”. ولم تعد كذلك. وكلّ محاولة لفرض أمر واقع ستلاقي المصير نفسه.
لذلك لا يحاولنّ أحد نمذجة عين الحلوة وتعميم هذا الأنموذج على شبيهه. الإحترام كلّه لأيّ قضيّة إنسانيّة في العالم. ولكن أيّ قضيّة لو كانت إنسانيّة لن تعلو على القضيّة اللبنانيّة بالنسبة إلينا. وعلى ما يبدو أنّ بعض الدّول قد تستغل الأوضاع الراهنة التي تمرّ بها الدّولة اللبنانيّة علّها تستطيع التخلّص من عبء قضيّتي النّزوح. لكن فليعلم الكون كلّه أن التراب اللبناني هو للبنانيّين وحدهم، ولن نسمح بشريك معنا في وطننا.
أترابنا وحدنا هم شركاؤنا. وتاريخنا كفيل بالإتّعاظ من التّجارب التي نسأل ربّ القوّات أن ينجّنا منها. وطالما بقي أي نازح خارج عن القانون اللبناني سيسمح لأيّ طرف أن يستغلّه لتحقيق أجنداته الخاصّة. فمن مصلحة هؤلاء جميعهم البقاء تحت سقف السيادة والقانون والدّستور اللبناني، لأنّ الدّولة هي الضامن الوحيد لكلّ الشعب الذي يعيش في كنفها. ووحدها التي تعطي الشعب والمواطن حقّه على السواء.
د. ميشال الشمّاعي
المزيد من القصص
باسيل في العشاء السنوي ل “التيار الوطني
النائب نديم الجميّل في معراب
النائب أشرف ريفي