تتفاقم يومًا بعد يوم النتائج غير الإنسانيّة للحرب الضروس التي تخوضها إسرائيل على قطاع غزّة، فيما بات واضحًا بخطّة القضاء على حركة حماس، بهدف تبديل قواعد الاشتباك التي كرّستها سيطرة حماس منذ أكثر من ١٥ سنة تقريبًا، بعد معركة غزة العسكريّة بينها وبين فتح، التي دارت رحاها في القطاع بين ١٠ و١٥ يونيو ٢٠٠٧. حيث شكلت هذه المعركة ذورة الصراع بين هذين الفريقين، وتركزت على النضال من أجل السلطة، بعد أن فقدتها حركة فتح في الانتخابات البرلمانية لعام ٢٠٠٦.
نتيجة لذلك، نجحت إيران باستقطاب حماس بعد تخلي الدول العربية عنها، وصارت جزءًا لا يتجزّأ من محور الممانعة، حتى باتت هي السبيل لدخول إيران في المواجهة المباشرة مع إسرائيل، إضافةً إلى وجودها على ضفّة المتوسّط من البوّابة الغزّاويّة.
واليوم يبدو أنّ القرار قد اتّخذ بلي ذراع حماس، والاسرائيلي لم يعد قادر ا على التراجع بعد الصفعة الحمساويّة التي تلقّاها؛ كذلك الإيراني الداعم للحركة يعتبر هذه الحرب المدخل لتكريس نفوذه، وإمّا قد تصبح سببًا لإبعاده من جديد. ذلك يبقى رهنًا بقدرته في اللعب على التهديدات الدوليّة في محاولة لتسييلها على طاولة مفاوضات ما بعد الحرب.
والمؤلم فيما سيحصل ديبلوماسيًّا، أنّه سيكون حتمًا على دماء أطفال فلسطين، ومَن يعلم إن كان الفلسطينيّون أنفسهم، سيحصدون ثمار دمائهم للوصول إلى وطن، ما فتئوا يحلمون به؛ أم أنّ المكاسب قد تكون لصالح توسّع أمبراطوريٍّ قديم جديد في شرق أوسط جديد الصراع فيه بين مملكة داوديّة وأمبراطوريّة فارسيّة؟
استهجان من السعي لتحرير أسرى إسرائيل
وللوقوف عند أبرز الآراء الفلسطينيّة، من الداخل الفلسطيني، كان لـ”جسور” حديث خاص مع عضو المجلس الوطني الفلسطيني، الدكتور عمران الخطيب الذي يؤكّد أنّ ” الوساطة الديبلوماسيّة، القطريّة والتركيّة، بدأت تنشط للحدّ من هول الكارثة الانسانيّة، على وقع ارتفاع منسوب الحديث عن اقتراب موعد الغزو البري لغزّة.”
ويكمل متفاجئًا من هذه الاطراف كيفيّة إسراعها في البحث عن كيفية إطلاق الاسرى الاسرائيليين عند حماس.
واستغرب الخطيب غياب الحماس المفرط للحديث عن المعتقلين والأسرى والاسيرات في سجون الإحتلال. حيث قال لـ”جسور”: “لم نسمع بمبادرة عربيّة أو إسلامية أو دولية واحدة بشأن الأسرى الفلسطينيين، وخصوصاً النساء والأطفال المعتقلين في السجون والمعسكرات الاسرائيلية؛ إضافة إلى استمرار الإعتقال الإداري من دون محاكمة.”
ويلفت الخطيب الى ممارسة إسرائيل ما يسمى بـ “الحجز المنزلي”؛ وبرأيه هذه “القوانين تعبر عن عنصرية “إسرائيل”.
وفي هذا السياق يستذكر الخطيب معتقل أنصار في جنوب لبنان إبّان الاحتلال الاسرائيلي في ثمانينيّات القرن المنصرم الذي قتل فيه العديد من المعتقلين خلال فترة الإعتقال تحت التعذيب والإهمال الطبي.
ويستهجن الخطيب اليوم أيضًا كيف أنّ “دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا تعلن الوقوف والتضامن مع نتنياهو رئيس حكومة الإحتلال الإسرائيلي اليمنية المتطرفة، وتطالب بإطلاق سراح الرهائن لدى حماس.”
ويعد ذلك الخطيب كون “أعداد منهم من جنسيات مختلفة، أميركية بريطانيّة ومن دول أوروبا المختلفة”، والغريب في الأمر للمرة الأولى، بالنسبة إلى الخطيب هو “انحياز العالم للعصابات الإرهابية الإسرائيلية التي تحتل فلسطين منذ ٧٥ عامًا والشعب الفلسطيني تحت الإحتلال.”
غزّة تتعرّض للإبادة الجماعيّة والتطهير العرقي
ويلفت الخطيب في اتّصالنا معه، بعد تواصله مع أقربائه الغزّاويّين الى أنّ الإسرائيلي يعمل الآن على مسح قطاع غزة من الوجود، حيث يتمّ تدمير أحياء ومنازل وأبراج بالكامل. كما أفادنا بأنّه يتمّ جرف مناطق بأكملها.” ووصف ما يحدث بأنّه عمليّة تطهير عرقيّ لم يشهد مثيلها التاريخ ذلك كلّه بحسب الخطيب ” والأمم المتحدة ودول العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.، تتباكى على “إسرائيل”فمن حقّ الشعب الفلسطيني الدفاع عن نفسه بالوسائل التي يراها مناسبة لأنّه هو المحتل منذ أكثر من ٧٥ سنة ويمارس الارهاب بمختلف أشكاله.”
أمّا بالنسبة إلى العالم العربي فتكمن المفارقة بالنسبة إلى الخطيب كيف أنّ ” اجتماع وزراء الخارجية العرب، خلال إجتماع جامعة الدول العربية يعبّر عن تضامنه من خلال التنديد بالمجازر، ويطالب بتقديم المساعدات
وبفتح ممر آمن من أجل تقديم المساعدات الإنسانية، في حين أنّ مليارات الدولارات والأسلحة النوعية يتمّ تقديمها لإسناد الاحتلال الإسرائيلي.
ويستند الخطيب في مطالبته إلى ما سبق وطالب به الرئيس أبو مازن في هذه المرحلة، أي الحماية الدولية لأن شعبًا برمّته يتمّ تصفيته من الوجود.
وعن اقتراب المعركة البرية يعتقد الخطيب أنّها “لم تعد ضرورة ملحة “لإسرائيل” بعد التدمير الشامل وسقوط أكثر من ١٢٠٠ شهيد ومايزيد عن ٦٠٠ آلاف جريح وتدمير البيوت على أصحابها.”
وبحسب ما أفادنا من مصادره في غزة ” ما يقارب مليون مواطن باتوا اليوم بلا مأوى، يفترشون الأرض وغطائم السماء.. فالقضية كما يراها الدكتور الخطيب لا تكمن في ” إحلال سلطة بديلة عن حماس، لأنّ هذا العدوان يستهدف الشعب الفلسطيني كلّه. ويستهجن الخطيب كيف لبعض وسائل الاعلام كفضائية رؤية أن تغطي هذا الارهاب وهذه الجرائم بحقّ الشعب الفلسطيني.
الشعب الفلسطيني لا يريد أن يحارب أحد عنه
وعن لقاء وزير الخارجية الاميركية أنتوني بلينكن- الرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمّان يلفت الخطيب إلى عدم تخوّفه من أن يدفّ المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية، لأنه بحسب رأيه إسرائيل هي الوكيل الأميركي في المنطقة، لذلك لا يمكن لأميركا إلا أن تنصرها.
ويضع الخطيب هذا اللقاء في إطار ممارسة الضغوط على الرئيس الفلسطيني في محاولة لشقّ شعب فلسطين تحت وطأة ما يحدث. لكن برأي الخطيب وحدة الفلسطينيين ستكون أقوى منهم جميعًا.
وفيما يتعلّق بموضوع الحلّ لا يعتقد الخطيب “أنّ هناك حلولاً في الحاضر أو المسقبل مع الاحتلال الاسرائيلي؛ فهكذا علّمتنا التجارب.”ويطالب الخطيب المجتمع الدولي بممارسة الضغط للتوصل إلى حلّ للقضية الفلسطينية.
كما يأسف كيف أنّ ” مجموعة من الدول العربيّة قامت بالتطبيع مع الحكومة الاسرائيلية عوض مواجهتها وممارسة الضغط عليها ف”الشعب الفلسطيني لا يريد من الدول العربية وشعوبها أن تحارب عنه، لكن بالحدّ الأدنى أن تدعمه بالموقف السياسي”. كما أكّد الخطيب في حديثه لـ”جسور”.
ويختم الخطيب حديثه متفائلاً بتحقيق النصر لفلسطين ولشعبها ” مهما فعل نتنياهو وما يسمى حكومة وحدته الوطنية فبنظر الخطيب “ستبقى عملية النفير العام على المستوطنات الإسرائيلية والاستلام المذل للقيادات وضباط وأفراد الجيش الإسرائيلي وصورة الضعف والاذلال، وصمة عار على جبين تاريخ إسرائيل المعاصر كلّه.”
د. ميشال الشماعي
المزيد من القصص
باسيل في العشاء السنوي ل “التيار الوطني
النائب نديم الجميّل في معراب
النائب أشرف ريفي