وطن ينزف أولاده.

وطن ينزف أولاده.
لا شك ومن المعترف به أن أبشع ما جرى أبان الإحتلال السوري البغيض وجهازه الأمني المخابراتي المقيت المتفلت من كل ضمير، بالإضافة إلى إعتقال قائد القوات اللبنانية د. سمير جعجع ومئات الشباب، واغتيال العشرات منهم، وتهجير الآلاف إلى المغتربات، كان إعطاء الجنسية اللبنانية زمن الرئيس الياس الهراوي إلى ما يزيد على الثلاثمائة ألف شخص غير لبناني في الوقت الذي هاجر فيه الآلاف من اللبنانيين ومعظمهم من الشباب بحثاً عن الأمان من بطش الإحتلال وزبانيته، وعن رزقهم وضمان عيشهم ومستقبلهم، وهذه الهجرة كان سببها اللاعدل في تطبيق إتفاق الطائف، والأوضاع المتردية في الوطن، وليست هجرة من الوطن، إنما هجرة من اليأس ومن الفوضى ومن التضيق على الحريات، ما أثار الخوف والقلق على الوجود والمستقبل والمصير، من جراء نزيف الوطن من قدراته البشرية والشابة والجامعية والمثقفة، كذلك الأسر التي اقتلعت ذاتها إلى بلاد الآخرين.
وفي نظرة سريعة إلى تاريخ الهجرة اللبنانية منذ القرن التاسع عشر نستطيع تصنيف مغادرة قسم كبير من اللبنانيين على المراحل الخمس التالية:
ـ الهجرة الأولى (١٨٦٠- ١٩٢٠) سببها المظالم والحروب والفقر والجوع وما حصل من قتل وتهجير ضمن الحرب الدرزية ـ المسيحية الكارثية، والجوع الذي أصاب اللبنانيين خاصةً أهل جبل لبنان العام ١٩١٦ الذي أدى إلى موت ثلث عدد السكان.
ـ الهجرة الثانية (١٩٢٠- ١٩٤٠) كانت نتيجة تردي الأوضاع الإقتصادية والمعيشية بعد الحرب العالمية الأولى وبحثا عن العمل والارتزاق في الخارج.
ـ الهجرة الثالثة (١٩٤٠- ١٩٧٥) كانت لتحقيق التطلعات والطموحات لتكوين ثروات بعد نجاح الذين سبقوهم، أملا بالعودة إلى لبنان بمال يكفيهم.
ـ الهجرة الرابعة(١٩٧٥- ١٩٩٠) كانت هرباً من الحرب التي اندلعت بشراسة، والخطر المحدق، والخوف واليأس من البقاء أمام استفحال الفجور الفلسطيني والسوري والاجتياحات الإسرائيلية والتهجير وانسداد الآفاق.
ـ الهجرة الخامسة منذ العام ١٩٩١ حتى الان، والتي بدأت بعد مغامرات ميشال عون التحريرية والإلغائية والتطبيق الاعوج لإتفاق الطائف، وبلوغ الشباب مرحلة اليأس من تدهور الأحوال السياسية، وضغط الإحتلال السوري على الحرية، والسيادة المفقودة، والاستقلال المنقوص، والكرامة المشلولة، والانتخابات المعلبة، وسلسلة الإغتيالات التي أصابت نخبة السياسيين والمفكرين الأحرار، والجزر المسلحة، والعناصر العسكرية الغير شرعية، والاعتداءات، والهيمنة الخمينية على المؤسسات، ومصادرة القرار الوطني، والفوضى والفساد في الإدارات والمؤسسات العامة، وانتشار البطالة مزاحمة اليد العاملة الغريبة، ودخول مئات الآلاف من السوريين ، والحدود الفالتة، والعديد العديد من الأسباب الاخرى يطول وصفها وذكرها….
د. جو حتي