قراءة في الاحداث السورية: ماذا عن الفدرالية؟
السّفير د. هشام حمدان تمرّ سوريّة حاليّا بحالة مقلقة بعد الإنتصار التّاريخيّ لقوى المعارضة السّوريّة على النّظام الحديديّ لحافظ الأسد وذرّيّته.
تحرّكت مجموعات من أقلّيّات دينيّة درزيّة وعلويّة في المناطق التي تنتشر فيها هذه الأقلّيّات في البلاد، ضدّ النّظام الجديد. يضاف هذا الموقف إلى الواقع المتشنّج المستمرّ بين أهل السّلطة في دمشق، والجماعات الكرديّة. تدخّلت إسرائيل إلى جانب الدروز، أضيف ذلك إلى التّدخّلات الإيرانيّة، والتّركيّة، والرّوسيّة، والأميركيّة التي لم تنقطع. فبرزت مخاوف عديدة من احتمالات تقسيميّة لسوريّة.
من الملاحظ، أنّ ردود الفعل في لبنان إزاء التّدخّلات في الواقع السّوري الدّاخلي، لم تبرز بمثل هذا الإنفعال قبل الموقف الذي أثاره رئيس الحزب التّقدّمي الإشتراكي السّابق في وجه قيادات درزيّة في سوريّة وإسرائيل. نحن نعتقد أنّ الباعث لمثل هذا الموقف، هو عودة الحديث من جديد عن مخطّطات قديمة لإقامة الدّولة الدّرزيّة، والدّولة العلويّة.
مخططات التقسيم
من حقّنا في لبنان أن نشعر بالقلق من هذه الحالة، ومن الإحتمالات المتداولة. ففكرة إقامة دولة علويّة، ودولة درزيّة ليست بجديدة، إذ ترافقت طويلا مع المشاريع الإستعماريّة الأوروبّيّة، ومخطّطات التّوسّع الصّهيوني في المنطقة. إلّا أنّ هذا المخطّط حاليّا، وفي هذه المرحلة بالذّات، يعني بالتّأكيد، مشروع تقسيم آخر في لبنان، كنّا قد حذّرنا من مخطّط إيراني- إسرائيلي، له، عندما كنّا نناقش النّتائج المحتملة لحرب الإسناد العبثيّة التي قامت بها ما يسمّى مقاومة.
فالدّولة الدّرزيّة، لا تكتمل من دون تهجير الأكثريّة الشّيعيّة من قسم من الجنوب، أو كلّ الجنوب، نحو البقاع حيث الأكثريّة شيعيّة، ممّا يسهّل إقامة الدّولة العلويّة، التي لا تكتمل من دون ضمّ البقاع الشّمالي الشّرقي من لبنان، حيث أنّ الأكثريّة السّاحقة من الطّائفة الشّيعيّة. كلا المشروعين، كانا يفترضان صداما دمويّا درزيّا- شيعيّا، بدأت تظهر ملامحه في الخلافات بين بعض سكّان الجبل، والمهجّرين الشّيعة فيه.
فكرة إقامة دولة علويّة، ودولة درزيّة ليست بجديدة، إذ ترافقت طويلا مع المشاريع الإستعماريّة الأوروبّيّة، ومخطّطات التّوسّع الصّهيوني في المنطقة.
تمّ وقف إطلاق النّار، وبدأت عودة أهلنا الشّيعة إلى قراهم وأراضيهم. زال ذلك الشّبح التّقسيمي. لذاك نستبعد وجود أهداف تقسيميّة في سوريّة. فمن جهة، أصبح لدى أهل المنطقة ما يكفي من الحصانة لرفض هذا التّقسيم، ومن جهة أخرى، لم تعد ترى الدّول الإقليميّة والدّوليّة ألتّقسيم حاجة لتحقيق مصالحها.
نعتقد أنّ ما يحصل في سوريّة شأن داخلي سوري. موقف إسرائيل كما ظهر مؤخّرا من النّزاع بين الحكومة السّوريّة، وأطراف درزيّة، لا يعني أنّ الدّروز في سوريّة، يرغبون بالإنسلاخ عن وطنهم الأم، بلّ يجب قراءة ذلك الموقف في إطار لعبة المصالح بين الدّول، نعتقد أنّ إسرائيل تقيم ضغطا على النّظام السّوري، وتجعل من قلق الدّروز وسيلة لخدمة ضغوطها. وعليه، فبدلا من توجيه الإتّهامات بالخيانة، وبالنّصائح السّياسيّة، يستحسن العمل على نزع فتيل المشكلة بالحوار بين الأطراف المعنيّة.
حلّ الفدرالية
تبنّي الفدراليّة كما حصل في العراق، يمكن أن يساهم في تقليص قلق الأقلّيّات سواء الدّرزيّة، أو العلويّة، أو الكرديّة، من نظام الأخوان المسلمين في دمشق. ألبعد الفدرالي يبقى هو الأكثر واقعيّة في مقاربة تلك الحالة. عدم تسوية مشاغل الأقلّيّات، يبقي تدخّلات الخارج قائمة، وقد تتزايد.
نظام الأخوان سواء في سوريّة أو في تركيّا، له أبعاد دينيّة معروفة. إنبثق نظام الأخوان في تركيّا في ظلّ نظام علمانيّ ديمقراطي موروث، ومصالح ثابتة للدّولة، سواء كعضو في حلف النّاتو، أو بإتّفاقيّات حيويّة تفرض تحجيما لدور العامل الدّيني في الواقع السّياسي اليومي لتركيّا. أمّا في سوريّة، فقد قام نظام الإخوان بعد نظام ديكتاتوريّ لم يتردّد في قصف حلب في حينه، بالأسلحة الكيميائيّة. لذلك، لا تتوافر الثّقة ما بين المكوّنات داخل البلاد.
تبنّي الفدراليّة كما حصل في العراق، يمكن أن يساهم في تقليص قلق الأقلّيّات سواء الدّرزيّة، أو العلويّة، أو الكرديّة، من نظام الأخوان المسلمين في دمشق.
تحفظ الفدراليّة كلّ مكوّنات المجتمع ضمن الدّولة السّوريّة، وضمن حدود النّظام القانوني لسوريّة. ومن الممكن طبعا، أن يتمّ التّوافق على هذا النّظام الفدرالي، بما لا يعكّر سير العمليّة السّياسيّة للنّظام الجديد في البلاد. لا حاجة للدّخول في جدل عن دور إسرائيل. كفى متاجرة بما يسمّى عروبة، وبما يقال عن دور الدّروز في الدّفاع عن الثّغور، وغير ذلك من اللّغة الثّوريّة الممجوجة. علينا أن نخرج من العقل الباطني، واللّغة الخشبيّة المتوارثة عن العروبة. عن أيّة عروبة نتحدّث؟ معظم الدّول العربيّة تقيم علاقات مع إسرائيل. ونحن نتوقّع أن تقيم سوريّة نفسها علاقات معها في القريب العاجل
المزيد من القصص
بيار بو عاصي في ذكرى 14 آذار
في الذكرى العشرين لـ 14 آذار
هذا الإنجاز الطبي المذهل يمثل خطوة ثورية في عالم زراعة الأعضاء وعلاج أمراض القلب الحادة