تدخّل خارجي بسمنة وآخر بزيت

لا يوفّر أيّ جهد الفريق الممانع في لبنان، والذي يدور في الفلك الإيراني بشكل واضح، باقتناص الفرص لمحاولة فرض واقع جديد، بهدف الوصول إلى مبتغياته الإيديولوجيّة أوّلاً، والسياسيّة ثانيًا.
 
فمن المهمّ مراقبة التدرّج السلبي في الانحدار الجهنّمي الذي يعتمده هذا الفريق بالذات من التهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور، والسيطرة العسكريّة واحتلال لبنان من جنوبه إلى شماله فبقاعه بأقلّ من 24 ساعة، تحوّل هذا الفريق إلى الدّعوة السياسيّة بحيث سوّق نفسه على أنّه يحمل مشروع الجمهوريّة والدّولة والمؤسّسات عبر مرشّح بقي خجولاً بتبنّيه حتّى اللحظة الأخيرة.
وبعد تيقّن هذا الفريق من عدم قدرته على فرض مرشّحه ،لا بقوّة السلاح ولا بالقدرة السياسيّة – الانتخابيّة، حمل مشعل الحوار وراح ينظّر بطاولات الحوار التي نجح في الماضي القريب بنسف نتائجها المتواضعة بنظريّة ” لو كنت أعلم” وال ” one way ticket”، حتّى خُيِّل إلى بعض اللبنانيّين أنّهم يتعاطون مع المهاتما غاندي داعية ثقافة اللاعنف والسلام والحوار.
وبعد فشل الدّعوة إلى الحوار أيضًا نتيجة وجود مقاومة سياسيّة من قبل الفريق المعارض الذي نجح باقتناص ورقة الضغط السياسيّة، انتقل هذا الفريق إلى التبشير عبر وسائله الإعلاميّة بإمكانيّة تفلّت الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والأمنيّة؛ وفي هذه المسألة قمّة في الاستخفاف بعقول اللبنانيّين حيث باتوا جميعهم يعرفون أنّ الوحيد القادر على بثّ هذا النّوع من الفوضى والتفلّت هو هذا الفريق نفسه. فلا يمكن لأيّ فريق في لبنان أن يجنح نحو أيّ فوضى، بغضّ النّظر عن نوعها، إلا إذا كان يمتلك المقوّمات التي تتيح له ذلك.
إلّا أنّ فريق إيران بالذات بات راهنًا أكثر حذرًا من مرحلة ذلك السابع من أيّار حيث إنّ السلام الصامت الذي وقّعه مع العدوّ الاسرائيلي لم يعد يسمح له بتفجير الصاعق جنوبًا، لذلك هو يلجأ إلى بعض الفصائل التي تدور في فلكه السياسي، وسرعان ما يتبرّئ من علاقته بها بعد قيامها بالاعتداء المزعوم.
أمّا في الدّاخل اللبناني، فيعلم جيّدًا أنّ أيّ حراك عسكري سيكون بمواجهة مباشرة مع الجيش اللبناني والمؤسّسات الأمنيّة الشرعيّة، على غرار ما حدث في الاعتداء الأخير على منطقة عين الرّمانة إضافة إلى المواجهة المباشرة وغير المنظّمة مع الأهالي تمامًا كما حصل في أحداث خلدة وقبرشمون.
هذا كلّه دفعه اليوم إلى اجتراح معضلة التدخّل الخارجي الذي يعلن رفضه إيّاه لأنّه تأتّى من الدّول التي لا تدور في فلكه السياسي، على غرار المملكة العربيّة السعوديّة والبرلمان الأوروبي والولايات المتّحدة الأميركيّة. فيما هو نفسه يجاهر بالتدخّل الايراني عبر الدّعم الذي يتلقّاه ولا يخجل من التدخّل السوري الذي كان الرّائد والوسيط فيه على السوّاء في زمن الاحتلال المقيت للبنان. لا بل أكثر من ذلك، متى تقاطعت مصلحة فريق الرئيس الفرنسي ماكرون مع مصلحة وليّه في إيران، ومحاولة تدخّله السافر لفرض المرشّح الذي يدعمه، تحت ذريعة الحوار الذي يُراد منه فرض هذا المرشّح، أي الوزير سليمان فرنجيّة؛ فهو لم يرَ في ذلك أيّ تدخّل. بل على العكس تمامًا، سوّق لهذه الدّعوة واعتبر مَن يرفضها معرقلاً للانتخابات التي لم تعد انتخابات على قدر ما كانت ستتحوّل إلى عمليّة ديكتاتوريّة لفرض مرشّح الممانعة تحت العباءة الديمقراطيّة.
فعلى ما يبدو أنّ هذه المحاولات كلّها قد باءت بالفشل الواضح ولم تعد منظّمة حزب الله قادرة اليوم على فرض ما كانت تنجح بفرضه بالأساليب المختلفة التي عرضناها آنفًا كذلك، لا يبدو أنّ الموفد الفرنسي قد قدّم أيّ جديد ممكن أن يتقاطع فيه هذه المرّة مع الممانعة.
لذلك، يجد هذا الفريق نفسه عالقًا في عنق الزّجاجة. ولن يستطيع الخروج من مأزقه إلا بافتعال حدث ما خارج الصندوق اللبناني ولعلّ هذا ما قد يشكّل له كوّة أمل لاستعادة زمام المبادرة في الدّاخل اللبناني ومخطئ مَن يظنّ أنّ هذا الخارج قد يكون خلف الخطّ الأزرق، لأنّه كما سبق فأشرنا، لقد وقّع اتّفاق سلام صامت ولن يستطيع أن يخلّ بأيّ قاعدة من قواعده. فهذه المرّة تمّ حذف عبارة ” لو كنت أعلم” من معاجم المصطلحات السياسيّة بالمطلق وما لم ينجح العدوّ بانتزاعه بقوّة العسكر منه، فقد انتزع أكثر ممّا كان يحلم به بقوّة التفاوض والديبلوماسيّة الصامتة.
من هنا، ولأنّ هذه المنظّمة نجحت بالتّواجد الفاعل خارج الحدود اللبنانيّة، إضافةً إلى وجود وحدة حال إيديولوجيّة مع سائر الأذرع الإيرانيّة كالحشد في العراق، والحوثي في اليمن، وحماس والجهاد الاسلامي في غزّة، والنّظام الأسدي في سوريا المكلومة، قد تشكّل هذه الأذرع أداة لتفجير صاعق إقليميّ ما، قد تستفيد منه منظّمة حزب الله، وتقوم بتسييله في الساحة السياسيّة لبنانيًّا. لعلمها سلفًا بأنّها لن تنجح بأيّ عمليّة تسييل إقليميّة بعدما تمّ تطويقها بالاتّفاق السعودي- الإيراني الأخير. فحذارِ من الصواعق الإقليميّة التي قد تنفجر محلّيًّا !
 د. ميشال الشماعي