صوت الحرّيّة أقوى من كلّ الأصوات، لذلك لا يمكن خنقه من أيّ أحد مهما عظم جبروته. وهذا ما عايشه اللبنانيّون في حراك 17 تشرين، وترجم عمليًّا على أرض الواقع بحركة اعراض داخل البيئة الشيعيّة بترشيحات عبر لوائح، ولو غير مكتملة، على انتخابات 2022. وسخر الممانعون من هذا الحراك لأنّه لم يستطع تحقيق أيّ خرق. إلا أنّ إيمان الأحرار ثابت لا يتزعزع. فحركة الاعتراض الشيعي تتزايد يومًا بعد يوم، متّخذةً حينًا الاعتراض المجتمَعي غير المنظّم، حيث تصدح أصوات من مختلف المناطق اللبنانيّة تهاجم فريق الممانعة مطالبةً هذا الفريق بالتنحّي لنّ تجربته السياسيّة باءت بالفشل. كذلك استمرّت بعض هذه الأصوات المعارضة بحراكها السياسي المنظّم.
الكيانيّة الشيعيّة في صلب لبنان الكبير
وفي هذا السياق برز من جديد الدكتور علي خليفة، الناشط السياسي في حركة الإعتراض الشيعي، مشاركًا في احتفاليّة لبنان الكبير التي نظّمتها اللجنة الوطنية لإحياء ذكرى إعلان دولة لبنان الكبير كمتحدث ممثلا عن مدينة صور في الإحتفال الذي أقيمَ بمناسبة الذكرى الثالثة بعد المئة، يوم الثلاثاء فى ٢٩ آب ٢٠٢٣ في متحف الأمير فيصل أرسلان في عاليه.
وفي كلمة ناريّة لخليفة أشار فيها إلى أنّ “دولة لبنان الكبير كرّست لجميع الطوائف الدينية، ومنها الشيعة، حريات جماعية للتعبير عن الخصوصيات ومكونات الهوية الثقافية لديها، على خلاف ما كان سائدًا في المنطقة وعلى نقيض ما شهدته الأزمنة السابقة من ظلم واضطهاد.” وفي ما يتعلّق بالحريات الفردية وحقوق المواطنين كأفراد لحظ خليفة في كلمته أنّ ” دولة لبنان الكبير قد حقّقت تقدمًا ملحوظًا فكان لبنان على الأغلب واحة للحريات ورسالة للسلام وللإنفتاح ولغنى التعدّدية.”
وأكد خليفة ” أن أبناء الطائفة الشيعية، متديّنين أو علمانيين أو نظراء للجميع في الإنسانية، إسوة بباقي اللبنانيين، كل اللبنانيين، يريدون لبنان وطنًا نهائيًا لجميع أبنائه.” وفي كلام خليفة العالي النبرة دعوة واعتراف صريحين بالارادة الوطنيّة الشيعيّة.
وأعلن خليفة في كلمته عن الاعتراض الشيعي الناشئ المؤمن بالمواطنة الكاملة في سياقٍ ديمقراطي ومشروعه “الدولة لا الدويلة، الدولة كجهاز ناظم للمجتمع، بأدوارها كافة في الذود عن حدود الوطن، والسهر على أمن المواطنين وأمانهم، والحرص على حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية والمدنية والثقافية.”
وتجدر الاشارة إلى أنّ كلمة خليفة شكّلت حالة بارزة في الوسط السياسي اللبناني حيث نجح بتظهير الإرادة الشيعيّة الحقيقيّة، ونجح بتثبيتها في صلب الكيانيّة اللبنانيّة. مع العلم أنّ خليفة ترشّح على الانتخابات النيابيّة في العام 2022 عن دائرة الزهراني – صور معقل الرئيس برّي وفريقه السياسي. وتعرّض لأقسى أنواع التهديدات لينسحب من المعركة لكنّه استمرّ حتّى تسجيله النقاط السياديّة في مرمى الثنائي. ووثّق تجربته هذه في كتاب سيشكّل خارطة طريق المرحلة المقبلة للمواجهة.
حوار للابتزاز السياسي
وفي حديث لمنصّة “جسور” مع خليفة في محاولة للإضاءة على هذا الصوت الاعتراضي، في ظلّ دعوة دولة الرئيس نبيه برّي لطاولة حوار يؤكّد خليفة أنّ “الشيعية السياسية تطرح اليوم الدعوة إلى الحوار، لا للإنتخابات، من أجل ملء الشغور الرئاسي.” وهذا ما يراه خليفة دعوة حقّ، بالمطلق. ثمّ مَن سيرفض الحوار بالمطلق، سيكون أمام عسر التبرير، مستدركًا أنّ “الحوار المزعوم دعوة حقّ يراد بها الابتزاز السياسي.
ويعلّل خليفة رفض تلك الدّعوة لأنّ هذا الحوار هو ” التفاف على الدستور وتعطيل لآليات النظام القائم. فالدستور ينصّ على الإنتخاب فورًا، وبجلسات متتالية، وفق آليات منصوص عنها وتواريخ محدّدة. لم يحصل ذلك، لا لأن النظام السياسي مأزوم، بل لأن التعطيل الذي مارسته الشيعية السياسية بلغ حدّ التعسّف.” ويؤكّد خليفة أنّ ” مجلس النواب المتحول حكمًا إلى هيئة ناخبة، وفق الدستور، أصبح ينعقد بمزاج: فمرةً لتمرير تشريعات الضرورة، ومرات لتعطيل الانتخاب.”
فبالنسبة إليه “الدعوة إلى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية هي دعوة قائمة وجوبًا، فيصبح حجبها ابتزازًا، وتعيينها ابتزازًا. ” وعن نصاب جلسة الانتخاب يتساءل خليفة “مَن قال إنّ نصاب الدورة الثانية، هو ذاته نصاب الدورة الأولى في ظلّ عدم بيان ذلك بشكل مباشر في النص الدستوري وفي ظل اعتبار المجلس النيابي هيئة انتخابية، لا تشريعية، طيلة فترة الشغور الرئاسي؟“
غياب التفسير والتعطيل لفرض معادلات من خارج آليّة عمل النظام
ويعيد خليفة هذه الإشكالية الدستورية بسبب غياب تفسير الدّستور. لذلك هو يدعو إلى تفسيرها، ولكن “لا من قبل مجلس النواب في جوّ تنازع الصلاحيات والمصالح، بل من قبل المجلس الدستوري.” ويوضح خليفة أنّ “مجلس النواب، وإن كان سيد نفسه، إلا أنه سلطة. والسلطة يجب أن يحدّها الدستور كي لا تطغى. والدستور يفسره المجلس الدستوري لا مجلس النواب، تمامًا كما يكون للمجلس الدستوري صلاحية النظر في دستورية القوانين التي يصدرها مجلس النواب وصولاً إلى إمكانية إبطالها.”
ويرى خليفة هذه الدعوة إلى الحوار “دعوة لفرض معادلات من خارج آلية عمل النظام.” وفي توصيف منه يؤكّد أنّ طالشيعية السياسية انقلبت على النظام الديمقراطي البرلماني وهي تحاول استخدام فائض القوة وانتفاخ الرأس الطائفية بصورتها القصوى من أجل الهيمنة على الآليات الديمقراطية المرعية الاجراء لانتخاب رئيس للجمهورية، في ظل عدم استحواذ الشيعية السياسية على الأغلبية في مجلس النواب.” ويفسّر خليفة وجهة نظره هذه موضحًا في حديثه الخاص لجسور “أنّ الشيعية السياسية هي اليوم في طور الإنقلاب أيضًا على الشرعية الشعبية التي انبثقت عن الإنتخابات النيابية الأخيرة وشكّلت توازنات المشهد السياسي القائم.”
البدائل المطروحة
أمّا بالنسبة إلى البديل عن الحوار الملغوم والمقدم بصورة ابتزاز صارخ فلا يراه خليفة إلا ” بالمزيد من التمسك بالدستور حصرًا، وإلا فالذهاب بالمواجهة مع الشيعيّة السياسية لفرض تطبيق الدستور، لا الالتفاف عليه والإمعان في تعطيله.”
ويختم خليفة حديثه لجسور في دعوة صريحة لهذا الفريق السياسي معتبرًا أنّه على هذه الشيعيّة السياسيّة أن “تقلْ وتصرّح على عاتقها ماذا تريد بدلاً من الدستور وحكم القانون واستعادة أدوار الدولة.” في حال لم ينجح حكمها وخسارتها غلواءها. وبكلّ صراحة ووضوح يعتبر خليفة أنّنا امام خيارين لا ثالث لهما:” إمّا تطبيق الدّستور للوصول إلى الجمهوريّة القويّة السيّدة والحرّة والمستقلّة، وإمّا مواجهة الشيعيّة السياسيّة
د. ميشال الشماعي
المزيد من القصص
بيار بو عاصي في ذكرى 14 آذار
في الذكرى العشرين لـ 14 آذار
هذا الإنجاز الطبي المذهل يمثل خطوة ثورية في عالم زراعة الأعضاء وعلاج أمراض القلب الحادة