لقد أشارت قمّة باريس بين ولي العهد السعودي المير محمّد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الملف اللبناني بوضوح، ولحظ المجتمعان مسألتين أساسيّتين في الشأن اللبناني كالآتي:
- التدخل لكسر الجمود السياسي الذي أدّى إلى فشل البرلمان مراراً في انتخاب رئيس جديد للبنان.
- قطف ثمار استئناف العلاقات السعودية- الايرانية وفرض ليونة لجهة خيار حزب الله الرئاسي.
وفي قراءة موضوعيّة لهذا الحراك، يبدو أنّ المجتمع الدّولي قد حسم أمره فيما يتعلّق بالقضيّة اللبنانيّة. والعمل سيكون في المرحلة المقبلة على كيفيّة إخراج تسوية على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، حفاظًا على ماء وجه فريق إيران في لبنان، منعًا لعدم إظهاره بموقع المنكسر بعدما مُني بخسارة ثلاثيّة الأبعاد كالآتي:
١ـ عسكريًّا بتوقيعه اتّفاق السلام الصامت مع العدو الاسرائيلي من خلال اتّفاقيّة ترسيم الحدود في الناقورة الذي وقّع بوساطة اميركيّة في ٢٧ تشرين الأوّل ٢٠٢٢.
٢ـ إيديولوجيًّا بعد توقيع اتّفاق بكين بين السعوديّة وإيران في ١٠ آذار
٣ـ سياسيًّا بعد الانكسار في جلسة ١٤ حزيران ٢٠٢٣ أمام المعارضة اللبنانيّة وعدم قدرته على استكمال سيطرته السياسيّة على الدّولة اللبنانيّة برمّتها.
لذلك كلّه، سنكون أمام سيناريوهين متناقضين:
- الأوّل: قبول محور الممانعة بالتسوية التي تُعَدُّ للبنان، والتي على ما يبدو أنّ أسهم قائد الجيش باتت الأعلى فيها. على أن يبقى في حال حدوث ذلك ترقّب مدى الترسيم السياسي الذي سيقبل به الرئيس العتيد مع منظمة حزب الله، وكيفيّة مقاربتهما للمسائل العالقة، احترامًا لقواعد هذه التسوية التي فرضها المجتمع الدّولي.
- الثاني: أن تمارس منظمة حزب الله عمليّة انتحار جماعي بهدف الوصول إلى سعيها الدّؤوب منذ أكثر من أربعة عقود لتغيير شكل الدّولة اللبنانيّة سياسيًّا، عبر إدخال تعديلات دستوريّة تضمن للمكوّن الشيعي التحكّم بمفاصل الحكم في لبنان الجديد.
لكن على ما يبدو من أداء المحور الإيراني الراضخ لتسويات المرحلة، أنّ المنظمة في لبنان سترضخ بدورها لشروط التسوية المقبلة. وذلك لأنّ القطار قد انطلق ولا يمكن إيقافه. لبنان المستقبل لن يكون كلبنان اليوم، لكنّه حتمًا لن يكون كما تريده المنظمة خدمة لأجندتها الإقليميّة. من هنا، ستحاول المنظمة التصعيد اجتماعيًّا لأنّها لم تعد تملك إلا هذه الورقة. وبهذه الطريقة تكون قد أراحت شارعها المحقون، والذي يئنّ نتيجة لقطع الأموال الإيرانيّة عنه. ونتيجة لتجفيف موارد التمويل غير الشرعيّة عبر ضرب معاقل تجارة المخدّرات التي تشرف عليها الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد شخصيًّا على الحدود اللبنانيّة السوريّة بالتشارك مع فرق متخصّصة من المنظمة. وتمّ ترجمة ذلك بالغارة الجويّة الأردنيّة على معقل إسكوبار سوريا “مرعي الرمثان” وتدميره وقتله في الثامن من أيّار المنصرم.
فضلاً عن أنّ أيّ تحرّك شعبي يكون ب ” قبّة باط” من المنظمة، سيعتبَر ترجمة لمفهوم هذا الشارع للنصر الإلهي الايراني الذي تحقّق في قمّة جدّة، كما تفسّره عمليّات غسل الأدمغة التي تمارسها على بعض مَن تبقّى مِن ضعفاء النفوس في شارعها. وهذا ما سيضع الشارع بمواجهة المؤسّسة العسكريّة، وبقدر ما سترتفع حدّة أساليب المواجهة، ستنجح المنظمة بتحسين شروط قبولها بالتسوية. وهذا ما سيسمح لها بأن تكبّل العهد العتيد.
لكن المرحلة المقبلون عليها لن تكون مرحلة ورديّة من النّاحية الاقتصاديّة إلا إن رضخت منظمة حزب الله للشروط التي نجحت المعارضة اللبنانيّة بفرضها نتيجة لتقاطعاتها. ويبدو أنّ سبحة التقاطعات ستستمرّ وسيتمّ تفعيلها أكثر فأكثر تماشيًا مع الحراك الإقليمي المرجّح أن يتزايد أكثر فأكثر. مع عدم الإغفال أنّ الثورة الإيرانيّة حتّى الساعة لم تنجح الجمهورلايّة الاسلاميّة بقمعها بالمطلق.
منسوب الإفراط بالتفاؤل يجب أن يبقى تحت مجهر التحرّكات الإقليميّة بعد قمّة باريس. ومنسوب الإفراط بالتشاؤم يجب أن ينخفض إلى أدنى حدوده. لكنّ ذلك كلّه لا يمنع من أن نبقى حذرين لأنّنا نتعامل مع جماعة تحترف الاغتيالات والقتل والتفجير و “النّيترتة” متى تدعوها حاجتها الإيديولوجيّة – الإقليميّة. لكنّ المؤكّد في هذه المرحلة أن لا نصر إلهيَّ بعد اليوم، بل وقائع اجتماعيّة – سياسيّة تدحض المزاعم الماورائيّة – الغيبيّة. والآتي بات أقرب ممّا قد يتصوّره هؤلاء كلّهم.
الكاتب د.ميشال الشماعي
المزيد من القصص
بيار بو عاصي في ذكرى 14 آذار
في الذكرى العشرين لـ 14 آذار
هذا الإنجاز الطبي المذهل يمثل خطوة ثورية في عالم زراعة الأعضاء وعلاج أمراض القلب الحادة